ملفات ساخنة

الجولاني في الجامع الأموي: بين الخطاب الديني والطموح السلطوي

في لحظة مشحونة بالرمزية والجدل، اعتلى أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، منبر الجامع الأموي في دمشق، ليخاطب السوريين بكلماتٍ تنضح بمزيج من الدين والسياسة:

“أيها السوريون أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فوالله لن يقف في وجهنا أي أحد مهما كبر أو عظم…”

توظيف الدين لتكريس الزعامة
استحضار الجولاني لعبارات مأخوذة من خطب الخلفاء الراشدين ليس بريئًا. بل هو محاولة واضحة لتغليف مشروعه السياسي بقداسة دينية تمنحه شرعية فوق النقد. لكن في سوريا الجريحة، التي دفعت ثمنًا باهظًا بسبب تسييس الدين، يبدو هذا الخطاب كإعادة تدوير لأساليب الاستبداد، لا كدعوة للتجديد أو الوحدة.

خطاب الغلبة لا خطاب الدولة
بدلًا من أن يمد يده للمصالحة الوطنية، أو أن يطرح رؤية جامعة لسوريا ما بعد الحرب، اختار الجولاني خطاب التحدي والقوة. حديثه عن “عدم وقوف أحد في وجهنا” يعكس ذهنية الفصيل لا ذهنية الدولة، ويثير مخاوف من أن تكون المرحلة المقبلة استمرارًا للصراع، لا بداية لبناء وطن.

شعارات بلا مضمون
الخطاب خلا من أي خطة واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، أو لبناء مؤسسات مدنية، أو لضمان الحريات. اكتفى الجولاني بشعارات عن “التحديات” و”الكرامة”، دون أن يوضح كيف سيتعامل مع تعقيدات الواقع السوري، من التعددية إلى العدالة الانتقالية.

المسجد الأموي: منبر الأمة أم منصة الفصيل؟
أن يُستخدم أحد أقدس منابر الإسلام لترويج مشروع فصيل عسكري، يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقة بين الدين والسياسة في سوريا. الجامع الأموي ليس ساحة لتصفية الحسابات أو استعراض القوة، بل منبر للعدل والرحمة. وما فعله الجولاني هو انتهاك لهذا الإرث، ومحاولة لفرض سردية أحادية على شعب أنهكته الحرب.

سوريا لا تحتاج إلى خطب… بل إلى عقد اجتماعي جديد
ما تحتاجه سوريا اليوم ليس خطبًا من فوق المنابر، بل ميثاقًا وطنيًا جديدًا يُنهي منطق الغلبة، ويؤسس لدولة مدنية تحترم الإنسان، وتضمن الحقوق، وتفصل بين الدين والسياسة. أما أن يُعاد تدوير الخطاب الديني لتبرير سلطة جديدة، فهو تكرار مأساوي لتاريخٍ لم نخرج منه بعد.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى